رواندا تراهن على الدراجات الكهربائية رغم تحديات توزيع الطاقة

رواندا تراهن على الدراجات الكهربائية رغم تحديات توزيع الطاقة

أوغندا بالعربي – بي بي سي

تتجه رواندا بخطى حثيثة نحو ثورة في قطاع النقل، مستهدفة تحويل أسطولها الضخم الذي يضم 100 ألف دراجة نارية إلى دراجات كهربائية بالكامل. ورغم التحديات الكبيرة التي قد يفرضها هذا المشروع على شبكة الكهرباء في البلاد، تؤكد الشركات الناشئة المحلية أن لديها الحلول المبتكرة الكفيلة بإنجاح هذا التوجه. فهل يمكن للتكنولوجيا الخضراء أن تقود أفريقيا حقًا نحو مستقبل مستدام في مجال التنقل؟

على مدى العقد الماضي، أصبحت المركبات الكهربائية عنصراً أساسياً في استراتيجيات الدول الغربية للتحول إلى الطاقة الخضراء، مما فتح آفاقاً جديدة للقطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، مثل النقل والشحن والخدمات اللوجستية.

مع ذلك، في خارج المراكز الحضرية الرئيسية في أمريكا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا، غالباً ما يكون تحقيق وعد التنقل الكهربائي أكثر تعقيدًا. ففي أفريقيا، على سبيل المثال، تشكل مشاكل توزيع الطاقة على نطاق واسع عقبة كبيرة أمام تبني المركبات الكهربائية على نطاق واسع، ولكن قررت رواندا اختيار مساراً مختلفاً.

 

 

تمتلك هذه الدولة الصغيرة في شرق أفريقيا خطة طموحة لتحويل جميع دراجاتها النارية البالغ عددها أكثر من 100 ألف دراجة إلى مركبات كهربائية، ويدرك المسؤولون تمامًا أن هذا المشروع سيشكل ضغطًا كبيرًا على شبكة الكهرباء الوطنية، إلا أن مجموعة من الشركات الناشئة المتخصصة في الدراجات الكهربائية تقوم حاليًا بتجربة حلول مبتكرة للتغلب على هذه التحديات.

تشمل هذه الحلول تطوير محطات توليد الطاقة الشمسية، وتبني خطط لاستبدال البطاريات بسرعة وسهولة، وإعادة استخدام البطاريات المستعملة أو إعادة تدويرها عند انتهاء عمرها الافتراضي، بالإضافة إلى إنشاء شبكات كهربائية صغيرة محلية (أنظمة توليد طاقة موزعة تعمل بشكل مستقل عن الشبكة الوطنية).

 

 

الهدف النهائي هو تشغيل أساطيل ضخمة من الدراجات الكهربائية دون التأثير سلباً على استقرار توزيع الكهرباء على المستوى الوطني، وإذا أثبتت هذه الحلول نجاحها، فقد تكون نموذجًا يُحتذى به ليس فقط لبقية دول القارة الأفريقية، بل لمناطق أخرى من العالم النامي التي تواجه تحديات مماثلة في البنية التحتية للطاقة.

كان من المتوقع أن تتضاعف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في رواندا بين عامي 2015 و2030، إلا أن الاهتمام المتزايد بالتنقل الكهربائي جاء بعد أن تعهدت الحكومة بخفض انبعاثاتها المتزايدة بنسبة 38% خلال الفترة نفسها (أي ما يعادل حوالي 4.6 طن متري).

 

 

 

 

وقد اتخذت دول أفريقية أخرى، مثل كينيا وتوغو ونيجيريا وجنوب أفريقيا، خطوات حثيثة لتعزيز انتقالها إلى الطاقة النظيفة، بدءاً من دعم مشاريع الطاقة المتجددة وصولًا إلى تقديم إعفاءات ضريبية وتخفيض رسوم استيراد السيارات الكهربائية لتشجيع تبنيها.

ومع ذلك، يرى مايكل إيرينغ، وهو مهندس مقيم في رواندا ويعمل في مجموعة (ان اي تي اَي أس)  المتخصصة في البنية التحتية للاتصالات والطاقة، أن رواندا تحقق حالياً أكبر قدر من النجاح في هذا المجال مقارنة بالدول الأفريقية الأخرى. ويجادل إيرينغ وغيره بأن رواندا تساهم في وضع معايير جديدة للتنقل الكهربائي في أفريقيا بفضل خططها المتطورة للطاقة المتجددة، ومشروع استثماري ضخم بقيمة 300 مليون دولار (226 مليون جنيه إسترليني) لتمويل التكيف مع تغير المناخ، والحوافز الحكومية المشجعة لشراء السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى البيئة الداعمة لمجموعة من الشركات الناشئة الرائدة في مجال الدراجات الكهربائية.

 

الدراجات الكهربائية في صدارة المشهد:

لعقود طويلة قبل تبني رواندا خطة التحول الطموح نحو “النمو الأخضر”، كانت الدراجات النارية التي تعمل بالوقود التقليدي هي وسيلة النقل الأكثر شيوعاً، وبل وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، كما هو الحال في العديد من البلدان الأفريقية الأخرى. ويمثل هذا تحديًا بيئياً كبيراً.

ففي عام 2021، أظهرت بيانات اللجنة الوطنية الرواندية لجرد الغاز أن دراجات الأجرة النارية (بودا بودا) وحدها ساهمت بما يعادل 427.45 جيجا غرام من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يمثل 32% من إجمالي الانبعاثات الناتجة عن حركة المرور على الطرق في البلاد.

 

في مواجهة هذا التحدي، تقدم شركات مثل أمبيرساند و سبيرو و وايواكا، والشركة الرواندية للدراجات الكهربائية  نفسها على أنها الحل، ونجحت هذه الشركات الناشئة بالفعل في بيع وتأجير الآلاف من هذه الدراجات النارية الكهربائية أو (موتارز) كما تُعرف محليًا في رواندا، وذلك من خلال برامج ميسورة التكلفة وفعالة، وفقاً لتوفيني كاما، وهو مستثمر سنغالي متخصص في قطاع السيارات الكهربائية. ويضيف كاما: (في كثير من الحالات، تقوم شركة تشغيل الدراجات الكهربائية التي تؤجرها بتوفير البطارية).

مما يجعل امتلاك واستخدام الدراجات الكهربائية في متناول شريحة أوسع من المجتمع من خلال خفض التكاليف الأولية المرتفعة عادة للبطاريات. ويشير إلى أن مهمتهم في تشجيع سائقي الدراجات على التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى استخدام المركبات الكهربائية قد انطلقت على نطاق واسع حتى الآن، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى الدعم الحكومي الكبير والحوافز المقدمة.

 

 

وتحقق هذه الشركات الناشئة تقدمًا ملحوظًا على صعيدين رئيسيين. أولًا، تساهم بشكل فعال في مساعدة البلاد على خفض انبعاثات الكربون الناتجة عن حركة المرور، وفقًا لرئيس التنفيذي لشركة أمبير ساند المتخصصة في الدراجات الكهربائية جوش ويل، والذي راهن على أ دراجات شركته قادرة على القضاء على حصة كبيرة من الانبعاثات السنوية لغازات الاحتباس الحراري التي تنتجها الدراجات النارية التقليدية التي تعمل بالبنزين.

ويضيف: “بناءً على مزيج الشبكة الكهربائية [النسب المئوية لمصادر الطاقة المختلفة في شبكة الكهرباء الوطنية]، تقلل دراجاتنا الكهربائية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تتراوح بين 75% و100% سنوياً”، ويتطلب تحقيق هذا الخفض بنسبة 100% نظام طاقة يعتمد بشكل كامل على المصادر المتجددة، ومع ذلك، تؤكد شركة أمبير ساند أن الدراجات البالغ عددها 2750 دراجة والتي تعمل حاليًا في رواندا تساهم في تقليل حوالي 7000 طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا.

 

 

 

وأكدت خبيرة اقتصاد الطاقة في وزارة البنية التحتية في رواندا سيلفي نييراهروا، ، أن هذه الأرقام مشجعة. وقالت نييراهروا: (اعتبارًا من مارس 2024، بلغ عدد الدراجات النارية الكهربائية العاملة في رواندا حوالي 4800 دراجة).

وأضافت (وفقاً للمتوسط العالمي، يمكن لكل دراجة أن تقلل 2.6 طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ولكن قد يختلف هذا التخفيض اعتمادًا على نسبة الطاقة المتجددة في الشبكة الكهربائية المحلية).

على الرغم من أن الوزارة لم تُحدد بعد إجمالي انبعاثات الكربون التي تم خفضها على المستوى الوطني، إلا أن عملية استبدال الدراجات النارية التي تعمل بالبنزين بدراجات كهربائية تحقق بالفعل فوائد مناخية ملموسة لهذه الدولة الواقعة في شرق أفريقيا.

 

 

خفض التكاليف وتعزيز القدرة على تحمل التكاليف:

لا تقتصر مساهمة الشركات الناشئة على الجانب البيئي فحسب، بل تسهم أيضاً في خفض التكاليف بشكل كبير، وهو أمر حيوي لكل من سائقي دراجات الأجرة وشركات التوصيل التي تمثل السوق الرئيسية المستهدفة لهذه المنتجات. يقول كاما: (أؤكد أن سعر الدراجة الكهربائية يقارب سعر الدراجة التقليدية التي تعمل بالبنزين في المتوسط [حوالي 880 جنيهًا إسترلينيًا، أو 1168 دولارًا أمريكيًا] عند استثناء تكلفة البطارية. لكن إعادة شحن البطارية تقلل التكلفة إلى أقل من نصف تكلفة شراء الوقود اللازم لقطع نفس المسافات).

ولخفض التكلفة الأولية المرتفعة نسبياً، يمكن للركاب اختيار تحديث دراجاتهم القديمة التي تعمل بالبنزين عن طريق تركيب محرك كهربائي، أو التقدم بطلب للحصول على قروض ميسرة، أو ببساطة استئجار البطاريات بدلاً من شرائها بالكامل. ويضيف أن الاستئجار أصبح الخيار الأكثر شيوعًا بين المستخدمين في رواندا.

 

 

وأوضح ويل: (يقدم العديد من مقدمي التمويل قروضاَ ميسرة لشراء دراجاتنا النارية الكهربائية لأننا نقوم بفصل تكلفة البطارية عن تكلفة الدراجة نفسها. ويعمل هذا النظام على أساس “الدفع حسب الاستخدام” للبطارية (Pay-As-You-Go). والنتيجة النهائية هي أن العملاء يحصلون في نهاية المطاف على أسعار فائدة أقل، وأن التكلفة الإجمالية للدراجة تصبح مساوية، أو حتى أقل، لتكلفة دراجة البنزين التقليدية).

في المقابل تؤكد شركة أمبير ساند أن سائقي دراجاتها الكهربائية يوفرون ما بين 400 و750 دولارًا أمريكيًا (ما بين 305 و572 جنيهًا إسترلينيًا) سنوياً من خلال استخدام دراجاتها الكهربائية مقارنة بالدراجات التي تعمل بالبنزين.

 

 

 

تحديات توزيع الكهرباء في رواندا والحلول المبتكرة:

لم تكن أفريقيا يومًا في مقدمة القارات من حيث استقرار توزيع الكهرباء وتغطيتها الشاملة، إلا أن بعض الدول الأفريقية تحرز تقدمًا أكبر من غيرها في هذا المجال، لا سيما في منطقة شرق أفريقيا.

في رواندا، شهدت الجهود الحكومية المتضافرة ارتفاعاً مطرداً في نسبة تغطية الكهرباء في جميع أنحاء البلاد على مدار العقد الماضي، على الرغم من أن الوعود المتعلقة بالتطورات المستقبلية لا تتطابق دائمًا مع الواقع على الأرض.

 

لمواجهة تحديات توزيع الكهرباء الحالية والمستقبلية مع تزايد الطلب من قطاع النقل الكهربائي، تستكشف الشركات الناشئة في رواندا حلولًا مبتكرة. تشمل هذه الحلول استخدام محطات توليد الطاقة الشمسية الصغيرة لتوفير مصادر طاقة محلية ومستدامة لشحن الدراجات الكهربائية، وتطوير نماذج عمل تعتمد على استبدال البطاريات المشحونة بالبطاريات الفارغة في محطات مخصصة، مما يقلل من زمن التوقف اللازم لإعادة الشحن ويعزز كفاءة استخدام الدراجات. كما يتم التركيز على تطوير شبكات كهربائية صغيرة مستقلة يمكنها توفير الطاقة لمجموعات من المستخدمين في المناطق التي تعاني من ضعف التغطية أو انقطاع التيار الكهربائي.

 

 

جني الفوائد مقابل التحديات

بينما لا تزال رواندا تواجه تحديات تتعلق بالبنية التحتية للكهرباء، فإن التزامها بتحويل أسطولها من الدراجات النارية إلى مركبات كهربائية، مدعومًا بالحلول المبتكرة التي تقدمها الشركات الناشئة، يضعها في موقع ريادي في مجال التنقل الأخضر في أفريقيا. إذا نجحت رواندا في تحقيق أهدافها، فقد توفر نموذجًا عمليًا للدول النامية الأخرى التي تسعى إلى تبني حلول نقل مستدامة ومواجهة تحديات تغير المناخ، مع تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة لمواطنيها.

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر