كاتبة إماراتية: العقوبات الأمريكية على السودان ما بين سقوط المليشيا والتبعثر القيمي “مشاركة علمية”

د.أمينة العريمى – كاتبة إماراتية

 

1️⃣ هناك حكمة إفريقية قديمة تعود لقبيلة “الأومبوندو” الأنغولية تقول “تأكد أن الشيطان لديه جناحان مثل الملائكة ولكن أي منهما يرفرف حولك”.

 

2️⃣ تقول بعض المصادر الأمنية الفرنسية والتي تعود لحقبة التسعينيات من القرن الماضي أن هناك حواراً جمع بين رئيس جهاز الأمن الخارجي السوداني عام ١٩٩٤ “اللواء هاشم أبو سعيد” و “فليب روندو” أحد أبرز قادة الإستخبارات العسكرية الفرنسية حيث بدأ الأخير بسؤال الأول هل ستستطيعون الصمود كثيراً أمام الحصار الإقتصادي الخانق الذي فرض عليكم؟ فأجابه الأول نعم إذا أردنا ذلك، فبادره “فيليب” ستجمعنا معكم صفقة قريباً ستغنيكم عن إختبار إرادتكم التي سرعان ما ستتكشف نتائجها على مستقبل شعبكم، وستحقق لنا في المقابل ظفراً تتوق إليه الإدارة الفرنسية بعد عجزها التام لإسترداد ثقة وإحترام المواطن لها بعد تورطها في إغتيال الرئيس الجزائري “محمد بوضياف” وتفجبرها لسفينة “Rainbow warrior” وقتل كل من فيها، وافقت الخرطوم على الصفقة، فكان الطلب الفرنسي يتمثل بالإستعانة بالخرطوم لتهدئة الجماعات الإسلامية في الشمال الأفريقي وفتح خط للتواصل مع باريس حتى لا تنقل الأعمال المسلحة والعنف للأراضي الفرنسية، وتسليم أهم المطلوبين أمنياً للمخابرات الفرنسية “إلييتش سانشيز” والذي كان يقيم في الخرطوم في مقابل فتح باريس منافذ إقتصادية مع السودان لكسر الحصار الإقتصادي وهذا ما يفسر دعم باريس لقرار رقم 1372 لرفع العقوبات الدولية عن السودان، ووقفوها بعد ذلك حجر عثرة أمام قرار في مجلس الأمن ضد السودان على خلفية الوضع في دارفور، ويبقى السؤال هنا ما الذي يمنع باريس اليوم من إعادة عقد صفقة جديدة مع الخرطوم لإضعاف تأثير العقوبات الأمريكية الأخيرة خاصة أن السودان لديها ملفات مؤثرة في الشرق الإفريقي حيث الوجهة المستقبلية الفرنسية، ويتردد على أراضيها حتى هذه اللحظة مجموعة من كبار القيادات الأمنية الإفريقية التي تنظر إليهم باريس بعين الخشية الممزوجة بالوجل مع قناعة باريس ومن وراءها المجتمع الدولي بأن السودان تعايش مع العقوبات الأمريكية لأكثر من عقدين وفرض العقوبات عليه أو رفعها لن يغير الكثير فدائماً هناك مسارات خلفية تخفي وراءها سُبلاً أتقنت الخرطوم مسالكها لثلاثة عقود تماماً كما أتقنت تفاديها متى ما أرادت.

 

3️⃣ العقوبات التي فرضتها واشنطن على الخرطوم مؤخراً ليست بعيدة عن قرار مليشيا الدعم السريع الأخير بوقف العمليات العسكرية ضدّ المؤسسة العسكرية السودانية، ولقد أشرنا في مقالنا السابق بأن قرار المليشيا ما هو إلا إستدراك أمريكي لضبط الإيقاع الدولي ليس إلا، وترجمته واشنطن اليوم في شكل عقوبات سبقتها تصريحات تؤكد لأي مراقب بأن تلك التصريحات ما هي إلا بداية لقيادة حملة تقودها معظم الأطراف الدولية لحفظ ما تبقى من ماء وجهها الذي فقدته في السودان بعد سلسلة الإخفاقات التي منيت بها مليشيا ⁧‫الدعم السريع‬⁩ والتي لم تكن متوقعة وفقاً للحسابات الدولية والإقليمية، وهذا وفقاً لوجهة نظر أمريكية كان كفيلاً بالإعتراف بالخطأ والإقدام على التراجع.

 

4️⃣ لم تكن تنتظر واشنطن إعلان مليشيا الدعم السريع وقف عملياتها ضد الجيش السوداني حتى ينتهي رهانها عليها، فذلك الرهان إنتهى إلى غير رجعة منذ تعثر مفاوضات جنيف ومثلما تدرك قيادة المليشيا ذلك، فإن واشنطن تُدرك أيضاً بأن مليشيا الدعم السريع لا تملك من أمرها شيئاً، ولولا حالة التبعثر القيمي الذي تحياه المليشيا، والتي أطلقت عليها بعض النخب الفرنسية ” Désintégration des valeurs morales” وتعني باللغة العربية “تفكك القيم الأخلاقية” لما تجرأت أي قوة خارجية على إستخدامها لإسقاط الدولة الوطنية تحت شعار التهميش والمظلومية، فمن يسعى صادقاً لخير الوطن وإصلاحه لا يشارك في إسقاطه من الداخل والإطاحة بمؤسساته الشرعية، ولا يستميت لمحو هويته التاريخية وتجريف موروثه العلمي والثقافي، ولا يقبل بدعم أجنبي أياً كان نوعه ليوصله للسلطة مقابل تمكين ذلك الأجنبي من مقدرات الوطن والعبث بثوابتة ومستقبل أبناءه، فالمكون الشعبي السوداني وبكافة أطيافه وتوجهاته وخلفياته السياسية يُدرك تماماً بأن هناك أخطاء كارثية لمعظم الأنظمة السياسية والعسكرية السابقة التي حكمت السودان، ولكن محاولات الإصلاح دائماً ما كانت تأتي من الداخل السوداني، وهذا بحد ذاته مؤشر إيجابي على قدرة بعض النخب السودانية على الإستماع لمعالجة الخلل والإصلاح متى ما أرادت ذلك، وإن أخطئت تلك الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم السودان في حق مواطنوها ولم تحقق لهم كامل ما ينشدوه فهذا لا يعني ولا يبرر أن يصطف المواطن ويتحصن في خندق أجنبي مدفوع الثمن ويرفع السلاح في وجه الدولة.

 

5️⃣ في حديث سابق لي مع ” MIDIACTU” الفرنسية في نوفمبر الماضي قلتُ نصاً “الأزمة السودانية بدأت بقرار أمريكي، وإستمرت بقرار أمريكي، وستنتهي بقرار أمريكي‬⁩ ، إلا إذا واصلت القيادة السودانية في إتباع إستراتيجيتها التي أثبتت نجاحها منذ أغسطس الماضي، ورفض كل أشكال التفاوض الذي لا يقود إلى إنهاء مليشيا الدعم السريع ونزع سلاحها وإقصاءها نهائياً من المعادلة السياسية والأمنية في سودان المستقبل، ولا عودة لما قبل 25 أكتوبر 2021، ولا عودة لما قبل 15 إبريل 2023 ،ولا عودة لما قبل إبريل 2019.

 

د.أمينة العريمي

 

#السودان‬⁩ ⁧‫#السودان_ينتصر‬⁩ ⁧‫#افريقيا‬⁩ ⁧‫#الفاشر‬⁩ ⁧‫#جيش_واحد_شعب_واحد‬⁩ ⁧‫#تشاد‬⁩ ⁧‫#الصومال‬⁩ ⁧‫#بورتسودان‬⁩ ⁧‫#الدعم_السريع_مليشيا_ارهابيه‬⁩ ⁧‫#الخليج_العربي‬⁩ ⁧‫#أمينة_العريمي‬⁩ ⁧‫#السعودية‬⁩ ⁧‫#الامارات‬⁩ ⁧‫#موريتانيا‬⁩ ⁧‫#الإمارات_اليوم‬⁩ ⁧‫#الكويت‬⁩ ⁧‫#ليبيا‬⁩ ⁧‫#الجزائر‬⁩ ⁧‫#المغرب‬⁩ ⁧‫#قطر‬⁩ ⁧‫#اليمن‬⁩ ⁧‫#العلاقات_الخليجية_الأفريقية‬⁩ ⁧‫#الجيش_السوداني‬⁩ ⁧‫#البحر_الأحمر‬⁩ ⁧‫#البحث_العلمي

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر