دكتور/ محمد منتصر صالح يكتب: البنك الزراعي السوداني … العملاق الذي يُرجى ، ولا يُنتظر موته البطيء

أوغندا بالعربي-متابعات

البنك الزراعي السوداني … العملاق الذي يُرجى ، ولا يُنتظر موته البطيء

بقلم: د. محمد منتصر صالح

حين نتحدث عن البنك الزراعي السوداني ، فنحن لا نستعرض مجرد مؤسسة مالية أو مصرف يكدّس الأموال ويقتفي آثار الربح ، بل نحن بصدد الحديث عن شريان حياة لأمة ، وجذر ضارب في عمق تربة هذا الوطن ، نشأ من رحم الأرض ، وعاش لينهض بها ، وعبر مراحل عصيبة ، ظل سندًا للفلاح ، وحارسًا لبوابة الأمن الغذائي ، ومنارةً تمويلية تخترق الظلام الذي أطبقه الإهمال والسياسات العرجاء .
منذ خطواته الأولى ، كان البنك الزراعي كيانًا بسيطًا في الإمكانيات ، عظيمًا في الأثر ، بُني بسواعد مخلصة ، ورؤية متجذرة في أرض الواقع ، لا أحلام موهومة .
وها هو اليوم ، رغم ضآلة رأسماله ، يتحرك كأضخم قوة اقتصادية تمس قلب القطاع الزراعي ، متغلغلًا في كل ولاية وقرية ومشروع ، حتى بات أقرب إلى المزارع من زرعه ، وأوفى له من كل سياسات الدولة .
كيف لمؤسسة بهذا الحجم ، وبهذه الرسالة ، أن تبقى تُدار برأسمال هزيل ، وهي التي تقف وحدها في خط النار ، تموّل وتزرع وتكافح وتبني ؟ إن رفع رأسمال البنك الزراعي ليس ترفًا إداريًا ، ولا خطوة بيروقراطية باردة ، بل هو ضرورة وجودية ملحة ، لا تحتمل تأجيلًا ، ولا تقبل المساومة .
لقد مرّ على هذه المؤسسة العريقة رجال أفذاذ ، نحتوا من الصخر ، وأداروا الأزمات بفطنة وبصيرة ، لكن من بين هؤلاء يبرز اسم الأستاذ صلاح حسن احمد ، المدير العام الأسبق ، نموذجًا فريدًا لابن المؤسسة ، ونتاجها الخالص . نشأ فيها ، وتدرّج عبر كل مفاصلها ، حتى صار ربانها ، وكان بحق مفجرًا لقدراتها ، ومؤمنًا برسالتها ، وساعيًا بلا كلل لزيادة رأسمالها ، لكنه – كما كثير من الحالمين – اصطدم بجدار الدولة الصلب ، الذي كثيرًا ما ترك هذه المؤسسة تُصارع مصيرها ، وكأنها لا تستحق البقاء .
إنه لأمر محزن ، ومثير للسخط ، أن تصل مؤسسة بهذا العطاء إلى مرحلة العجز ، لا بسبب فشل داخلي ، ولكن بسبب خذلان متكرر من سياسات دولة لم تدرك بعد ، أن النهضة الزراعية تمر عبر أبواب البنك الزراعي ، لا عبر تصريحات المنصات .
لقد أصبح هذا البنك اليوم مؤسسة هرِمة في مواردها ، منهكة في بنيتها ، لكنها شامخة في رسالتها ، وقادرة – إن أُعطيت الفرصة – أن تنقذ ما تبقى من اقتصادنا المنهار .
فمن غير البنك الزراعي يمكنه أن يموّل مليون فدان في موسم واحد ؟
من غيره قادر على الوصول لأقصى نقطة في الريف ليمنح الفلاح بذرة الحياة ؟
من غيره بنى شبكة فروع تتوزع بعدل على قلوب الناس قبل مواقع الخرائط ؟
واليوم ، وبعد أن نالت الحرب من عظام الدولة ، وتوقفت أنشطة البنك المتخصصة ، وانهارت قدرته التمويلية ، ما زال العاملون فيه يثبتون أن الروح لم تمت ، وأنهم على استعداد للتضحية حتى باستحقاقاتهم ، لأجل أن تبقى هذه المؤسسة صامدة . أي روح هذه ؟ وأي انتماء ؟
أكتب اليوم نداءً صريحًا ، إلى السيد القائد العام الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ، وإلى كل من يملك قرارًا أو تأثيرًا :
هبّوا إلى إنقاذ هذا الصرح قبل أن يُفجع الوطن في ركن من أركانه الأساسية .
لا نريد لجانًا أو تسويفًا … نريد قرارًا واضحًا عاجلًا : رفع رأس مال البنك الزراعي فورًا ، مصحوبًا بدراسة علمية وآليات فاعلة ، توجّه هذه الزيادة نحو أهدافها التنموية الحقيقية ، لا نحو بطون الروتين .
إن كل لحظة تأخير ، هي فقدان لفدان جديد ، ومزارع جديد ، وأمل جديد .
وهل تملك دولة تنهار مثلنا ترف أن تفقد المزيد ؟
البنك الزراعي السوداني ليس مجرد بنك … إنه مستقبل وطن . فهل من سامع ؟

مشاركة الخبر

مشاركة الخبر